الأقاليم الجنوبية للمغرب تحتفي بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء بنقلة تنموية غير مسبوقة

0

#المحور24

مع اقتراب تخليد الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة، الملحمة التي جسدت أسمى معاني التلاحم بين العرش والشعب، تتجه الأنظار نحو الأقاليم الجنوبية للمملكة، ليس فقط لاستحضار ملحمة تاريخية خالدة، بل للوقوف على تحول عميق ونقلة نوعية تشهدها هذه الربوع الغالية من الوطن.

فعلى امتداد ربوعها الشاسعة، من شواطئ المحيط الأطلسي إلى عمقها الساحلي، تبدو الأقاليم الجنوبية للمملكة اليوم، ورشا هائلا مفتوحا بعدما ترسخت، منذ سنوات عديدة، إرادة قوية لجعلها واجهة أخرى لمغرب بطموحات كبيرة من أجل تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية بين مختلف جهات المملكة.

ويقف في قلب هذه الدينامية ورش ملكي مهيكل، هو النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس سنة 2015، ليشكل اليوم تجسيدا لرؤية استشرافية جعلت من المنطقة قطبا قاريا واعدا وجسرا نحو العمق الإفريقي.

ففي خطابه التاريخي بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، وضع جلالة الملك حجر الأساس لهذا الصرح التنموي، مؤكدا جلالته أن “تطبيق النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية يجسد وفاءنا بالتزاماتنا تجاه المواطنين بأقاليمنا الجنوبية، بجعلها نموذجا للتنمية المندمجة”.

هذا البرنامج التنموي المندمج، الذي جاء تتويجا لمسار طويل من العمل الميداني والتخطيط الاستراتيجي منذ استرجاع الأقاليم الجنوبية سنة 1975، ليس مجرد مخطط اقتصادي، بل هو، كما أكد جلالة الملك في خطابه السامي بمناسبة الذكرى الثانية والأربعين للمسيرة الخضراء، مشروع مجتمعي متكامل، يهدف للارتقاء بالإنسان وصيانة كرامته، ويجعله في صلب عملية التنمية.

واليوم، وفي قلب الصحراء المغربية، تتجلى ملامح الرؤية الملكية المتبصرة في تفعيل هذا النموذج التنموي، الذي يشمل شتى قطاعات البنيات التحتية، والطاقة، والفلاحة، والاقتصاد الأزرق، والتأهيل الحضري، والتنمية الاجتماعية.

فبميزانية ضخمة ارتفعت من 77 إلى 85 مليار درهم ، وبنسبة التزام تفوق 80 في المائة، انطلقت كوكبة من المشاريع المهيكلة التي غيرت جغرافية المنطقة الاقتصادية. ويأتي في مقدمتها شريان الحياة الاقتصادي، الطريق السريع تزنيت-الداخلة على طول 1055 كلم، والمشروع العملاق ميناء الداخلة الأطلسي، الذي سيجعل من الجهة منصة لوجستية قارية.

هذه الأوراش الكبرى، التي تشمل أيضا البرنامج الصناعي لفوسبوكراع، ومحطات الطاقة الشمسية والريحية الرائدة، وسد “فاصك” بكلميم، وكذا برامج التأهيل الحضري وتثمين القطاع الفلاحي والصيد البحري، لم تصمم فقط لخدمة الساكنة المحلية، بل لتؤهل الصحراء المغربية للاضطلاع بدورها التاريخي كصلة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي.

هذه المنجزات تعززت بالحرص على إنشاء بنى تحتية متطورة، من ضمنها المركز الاستشفائي الجامعي بالعيون وكلية الطب ومدينة المهن والكفاءات، لتضع الرأسمال البشري في صلب الأولويات، وفاء للرؤية الملكية المستنيرة.

وتؤكد الأرقام الرسمية أن ثمار التنمية لم تقتصر على الحجر، بل شملت البشر بالدرجة الأولى. فقد سجلت المؤشرات الاجتماعية بالأقاليم الجنوبية تطورا إيجابيا ملحوظا، فاق في أحيان كثيرة المعدل الوطني، إذ ارتفع مستوى المعيشة، وتراجعت معدلات الفقر، وتحسنت نسب التعليم والتأطير الصحي بشكل لافت.

وهكذا، أضحت جهة الداخلة – وادي الذهب، كما أكدت مجلة (جون أفريك)، “تجسيدا لنجاح النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية للمغرب”، وقطبا اقتصاديا إقليميا رئيسيا، إذ يعكس معدل نموها الاقتصادي البالغ 10,1 في المائة سنة 2023، وهو الأعلى وطنيا، هذه الدينامية القوية.

جهة العيون-الساقية الحمراء تعيش بدورها على إيقاع دينامية تنموية متواصلة، حيث ارتفع ناتجها المحلي الإجمالي من 15 مليار درهم سنة 2015 إلى أكثر من 28 مليار درهم سنة 2023، مما جعلها قطبا استثماريا عالميا تنافسيا ومنفتحا على العمق الإفريقي.

أما بالنسبة لـ “باب الصحراء المغربية”، فقد فتح النموذج التنموي آفاقا جديدة لجهة كلميم-واد نون، التي حققت طفرة اقتصادية واجتماعية فعلية، مستفيدة من موقعها كحلقة وصل بين شمال المملكة وجنوبها، لتصبح ورشا مفتوحا لمشاريع وأوراش كبرى مهيكلة ومندمجة.

واليوم، وبعد أكثر من عشر سنوات من إطلاقه، يحصد هذا الصرح التنموي البارز الإشادة محليا ودوليا، وفي تقارير الأمم المتحدة ومن قوى عظمى كفرنسا التي تطمح لأن تكون “شريكا في تنمية الأقاليم الجنوبية”، وهو ما يؤكد على أن الوفاء لروح المسيرة الخضراء المظفرة متواصل عبر مسيرة تنموية شاملة ومستدامة، تضع الصحراء المغربية في قلب معادلة التنمية الوطنية والانتماء الراسخ للوطن.

و م ع

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.